اهتمت صحيفة واشنطن تايمز برصد تطورات عملية السلام المتعثرة فى الشرق الأوسط، وطرحت التساؤلات حول إمكانية تحقيق السلام فى هذه المنطقة التى قطعت أوصالها الحروب المتكررة، وتقول الصحيفة إن الدبلوماسيين والمفاوضين قد بذلوا جهوداً حثيثة لحث إسرائيل على التخلى عن بعض الأراضى الفلسطينية، مثل غزة، مقابل تحقيق السلام. وكذلك ركزوا فى مباحثاتهم على عدد من القضايا اليسيرة التى تمهد الطريق إلى تسوية شاملة فى نهاية المطاف، وحاولوا "بناء الثقة" بين الأطراف المتناحرة، كما لو أن النزاع قائم على سوء تفاهم كبير. وأخيرا، افترضوا وجود زعماء غير موجودين فى محاولة لخلق حقيقة أفضل من تلك الموجودة بالفعل.
وتشير الصحيفة إلى أن كل هذه المساعى قد باءت بالفشل، وإذا كان يريد القائمون على شئون الشرق الأوسط فى الإدارة الأمريكية الجديدة فهم سبب الفشل، فيتعين عليهم الاستماع إلى الصحفى الفلسطينى الكبير خالد أبو توأمه. ويوضح أبو توأمه كيف من الممكن أن يكون الخبراء على خطأ، ففى تسعينيات القرن الماضى، قام المسئولون عن عملية السلام بحشد مقاتلى منظمة التحرير الفلسطينية من شتى أنحاء العالم، وأطلقوا سراح آلاف المحتجزين منهم فى السجون الإسرائيلية، وأعطوهم الزى الرسمى والأسلحة وأطلقوا عليهم قوات الأمن. وكانت النتيجة أن الأشخاص الذين لم يتلقوا أى تدريب رسمى، ولم يحصلوا على قدر وافر من التعليم، بل لم يتخطوا مرحلة الثانوية، أصبحوا لواءات وقادة فى حكومة ياسر عرفات.
وتزعم الصحيفة أن عرفات سرق مليارات الدولارات التى تبرع بها الأمريكيون والأوروبيون لمساعدة الشعب الفلسطينى، ووضع بعض منها فى حساب زوجته التى كانت تعيش فى باريس. وتنقل الصحيفة عن أبو توأمه أن عرفات لم يبنَ بهذه الأموال المستشفيات والمدارس، بل قام بدلا عن ذلك ببناء المطاعم والمقاهى الليلية قبالة مخيم اللاجئين. ويقول الكاتب الصحفى إن "فساد عرفات لم يثير دهشة الفلسطينيين، ولكنهم تعجبوا كثيراً من موقف المجتمع الدولى الذى ظل يمنحه السيولة المالية ورفض تحميله مسئولية هذه الأموال".
ومن ناحية أخرى، تضيف الصحيفة أن فساد حكومة عرفات، ثم ضعف وتردد الحكومة التى خلفتها تحت قيادة محمود عباس، قد ساعدتا كثيراً فى جعل الفلسطينيين أكثر راديكالية وتشدداً، الأمر الذى مهد الطريق لفوز حماس بانتخابات نزيهة وحرة ترفع شعار "التغيير" و"الإصلاح".
وحماس، هى تلك الحركة الإسلامية التى ترى، وفقاً لتفسيرها للدين الإسلامى، أن "المقاومة" هى السبيل الوحيد للدفاع عن البلاد، وهى الطريقة الأخرى لإقرار هدفها الغير قابل للتفاوض؛ إبادة دولة إسرائيل المارقة.
ويضيف أبو توأمه أن حماس لن تتغير، فكل هؤلاء الذين يعتقدون أن حماس ستغير أيديولوجيتها يوماً ما، أو أنها ستشهد مولد قائد براجماتى، سقطوا ضحايا لوهم الذات. ولقد كانت حماس واضحة وصريحة بشأن رسالتها منذ البداية.
ويرى أبو توأمة أنه حان الوقت، بعد ارتكاب الكثير من الأخطاء، للبحث عن طرق "لإدارة" هذا الصراع بدلاً من محاولة "حله" بقرار كبير مماثل لتلك القرارات التى تم أخذها فى السنوات الأخيرة مثل طابا وكامب ديفيد وأوسلو ومدريد.
فهذا الصراع لم يعد يقتصر فقط على الفلسطينيين والإسرائيليين ولا على العرب واليهود. فإيران وسوريا وحزب الله والقاعدة والجهاد الإسلامى والإخوان المسلمون، يلعب كل منهما دوراً محورياً ولكن سلبياً فى هذه المنطقة من العالم، فإيران وحدها تريد أن تستمر الحرب حتى آخر فلسطينى.
ومن ناحية أخرى، تنقل الصحيفة وجه نظر اليهود فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطين، وتقول الصحيفة إن الأغلبية العظمى من اليهود اليوم يرغبون فى تفكيك المستوطنات الإسرائيلية وأخذ 2% فقط من الضفة الغربية، وهذا ليس حباً للفلسطينيين، وإنما رغبة فى العيش فى أمان وسلام. ومع ذلك، هذه التغيرات فى وجهات النظر تعد تغيرات إيجابية شهدتها الأوساط الإسرائيلية فى الآونة الأخيرة، ولم يتبقَ سوى العثور على "شريك قوى" يمثل الجانب الفلسطينى. وترى الصحيفة أن هناك أملاً كبيراً لتحقيق السلام فى المنطقة، فقط إن وجد هذا الشريك.
ويعترف أبو توأمة بعدم وجود هذا الشريك القوى فى الوقت الراهن، ولكن العثور عليه ليس أمراً مستحيلاً، والعمل على تحقيق هذا الهدف سيكون مهمة مفيدة يقوم بها القائمون على إحلال السلام فى المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، تصل الصحيفة إلى أن "افتراض أن الفلسطينيين لديهم زعماء أقوياء وأن الإسرائيليين لديهم محاور فلسطينى مستعد وقادر على التوصل إلى تحقيق السلام، ما هو إلا أمنية عقيمة، شأنها شأن تمنى المياه فى وسط الصحراء".